في قضية مقتل طالب جامعي برصاصة جندي


هل تنتصر العدالة على فوضى الإجراءات؟


صحيفة: النداء
كتبت: رغدة جمال
تاريخ: الخميس , 9 أبريل 2009 م




في أي قضية جنائية قلما يوجد متعاطف مع الطرفين. لكن في اليمن الوضع يختلف، فقبل حوالي ثلاثة أسابيع استيقظ طلاب جامعة صنعاء على فاجعة مقتل طالب في كلية التجارة برصاصة أطلقها عسكري من أمن الجامعة، وعلى إثرها قامت قبيلة همدان (قبيلة الطالب) باحتلال جامعة صنعاء وإغلاق بوابتي الجامعة، مطالبة بالقصاص الشرعي لقاتل ابنها.في حوالي الساعة الثامنة والربع من، صباح الثلاثاء 17 مارس، حدثت مشادة بين العسكري شكري الصبري، المكلف بحراسة البوابة الغربية لجامعة صنعاء، وطالب المستوى الأول صالح حاتم الحوتي، على إثر طلب العسكري من الطالب وأخيه تصريح دخول سيارتهما. ولأنهما لا يمتلكان تصريحا، أصر العسكري على أخذ بطاقة الطالب الجامعية. وخرجت الأمور عن نطاق السيطرة، بعد تدخل عسكري آخر وأحد أعضاء هيئة التدريس، الأمر الذي دفع سائق السيارة، علي الحوتي، للدخول عنوة إلى ساحة الجامعة، ليفقد العسكري أعصابه ويطلق من سلاحه طلقة واحدة محاولاً إصابة (إطارات) السيارة، حسبما أفاد المحققون، لكن الطلقة إياها أصابت الطالب في مقتل.بعد الحادث الفاجعة، وبعد إقناع رئاسة الجامعة، ممثلة في رئيس جامعة صنعاء خالد طميم، ووزير التعليم العالي صالح باصرة، مشايخ همدان بأن القاتل تم تسليمه للنيابة، قامت القبيلة بالانسحاب من الجامعة في عصر اليوم ذاته.


الآن، وعند مطالعة محاضر تقارير النيابة يحار المرء جراء المفارقات الواضحة والروائح المفعمة بالتحيزات العصبوية لدرجة تجعله يقف متسائلاً: أي منحدر يُساق نحوه هذا البلد؟في قضية الطالب الشهيد، نتعاطف مع الطالب ذي العشرين ربيعاً، الذي لم يُرد سوى دخول الحرم الجامعي. ونتعاطف مع عروسه، ذات السبعة عشر عاما، التي فقدت زوجاً على حين غرة.تعاطفنا ذاك لم يلبث أن خدش لحظة احتلال قبيلة همدان لجامعة صنعاء، حين نرى التجسيد الحقيقي لسطوة القبائل في بلادنا.


هنا، وهنا فقط، تصدر أشارات سلبية من الطريقة التي عُومل بها القاتل. في محاضر التحقيقات وردت ثلاثة أسماء، بحسب شهادة أخ المجني عليه، الأول اسم العسكري شكري الصبري الذي أطلق النار، الثاني اسم جندي زميل للعسكري كان يقف هناك وقام بضرب المجني عليه، و الثالث اسم عضو هيئة تدريس قام بمساعدته.العسكري الذي أطلق النار -وهو من محافظة تعز- انه بعد مشادة كلامية مع الطالب و أخيه من اجل الحصول على تصريح دخول سيارتهم، وبعد تدخل الشخصين الثاني والثالث (الجندي الآخر وعضو هيئة التدريس). حاول المجني عليه الفرار إلى داخل سور الجامعة. عنصر التوتر والعصبية دفع الجندي (الجاني) إلى استخدام سلاحه محاولاً إصابة (إطارات) السيارة، ولكن الطلقة أصابت الطالب في مقتل، وعليه فقد قام بتسليم نفسه لمكتب أمن جامعة صنعاء الذي قام بترحيله إلى البحث الجنائي فورا ومن ثم إلى النيابة، وهذا ما أكده مدير مكتب الأمن الجامعي شخصياً، حسب مصادر موثوقة.


هنا نقف لحظات لنسأل عن مصير الاسمين الثاني والثالث. الثاني، وهو لجندي في الأمن المركزي من "بني مطر"، أدلى بشهادته المطابقة لأقوال شكري في "محضر جمع الاستدلالات والتحري" يوم 21 مارس ثم هرب! وهنا قد يأتينا سؤال مشروع: إذا كان البريء لا يهرب، وعضو النيابة يعتمد على هذا الاستدلال، فلماذا لا يُعتبر تسليم شكري الصبري نفسه نقطة في صالحه؟


نأتي للاسم الثالث الذي ذُكر كمتهم في "مذكرة العرض بالرأي" الصادرة بتاريخ 23 مارس من قِبل عضو النيابة نفسه، الاسم الذي تم تجاهله تماما، لأنه وبحسب ما ذُكر في المذكرة ذاتها، أنه عدا القرينة البسيطة التي تمثلت في دعوى المجني عليه لا يُمكن للنيابة تقديمه للمحكمة، فتلك القرينة، التي إن كانت كافية لإسناد التهمة للمتهم، إلا أنها لا تكفي لإقامة الدعوى الجزائية قبله! بالإضافة إلى عدم اكتمال اسم المتهم الثلاثي والذي منع تقديمه للمحاكمة!ما يدعو للاستغراب أن المدعو هو دكتور معروف في جامعة صنعاء ذُكر في التحقيقات المنصب الذي يشغله في الكلية التي ينتمي إليها، بالإضافة إلى أن انتماءه السياسي والمناطقي معروف للطلاب كمعرفتهم لاسمه الثلاثي الكامل.


بعد ذلك نجد كل المحاضر المتعلقة بالقضية تتهم العسكري شكري الصبري بالقتل العمد وتصف المتهم المطري بالفار من العدالة (ماذا فعلت النيابة لجلبه إلى ساحة العدالة؟) وتتعامل مع الاسم الثالث كشاهد مُطالب بوجوده في المحكمة؛ المحكمة التي عُقدت منها جلستان بدون حضوره!


كأنَّ كل التناقضات الواضحة في المحاضر لا تكفي لجعل الصورة واضحة، فالضابط المسؤول عن العسكري شكري في إدارة مكتب الأمن الجامعي يؤكد أن شكري تعرض لضغط كبير من قِبل عضو النيابة أثناء التحقيقات، وهذا واضح لمن يقرأ شهادة شكري.


كما أن محامي المتهم أفاد في الجلسة الأولى للمحاكمة بعدم شرعية إجراءات النيابة ضد العسكري، ليُؤجل النظر في القضية إلى الجلسة القادمة.بعد كل هذا لم يعد المرء منا يدرك من يلوم؛ أيلوم رئاسة جامعة صنعاء لتسليحها عسكرا لا جدوى من تسليحهم إن كانوا سيفرون فور احتلال الجامعة من قبل أي قبيلة!؟ أم يلوم العسكري ذا الحظ العاثر الذي ارتكب خطأ لا يغتفر؟ لا أعتقد أننا نستطيع لوم قبيلة ثكلى على فقيدها، إن لم يكن عدم لومنا تعاطفاً فسيكون لأسباب أخرى.لنترك اللوم جانباً، ولننتظر وقائع المحكمة التي ستستأنف جلساتها اليوم، لنرى كيف سيتسنى للعدالة تخطي عوائق إجراءات النيابة القاصرة وتشويهات المجتمع المتخبط بالفوضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق