نفــر شبــاب

فتاوى إباحة الطفولة
صحيفة: الجمهورية
كتب: أحمد عبد الرحمن
تاريخ: السبت 28 فبراير-شباط 2009
الأسبوع الماضي كنت مبتهجاً بما فيه الكفاية، فكتبت عن قانون تحديد سن الزواج والذي كان البرلمان بصدد التصويت عليه..لأتفاجأ الأحد والأستاذ عبدالباري طاهر يخبرني بصدور فتوى ممهورة بتوقيع عشرين عالم دين يفتون بتحريم القانون..لم تمض على فرحتِي سوى ساعات لأتفاجأ بالفتوى العجيبة، والغريبة..والحقيقة أنني لم أتفاجأ بالفتوى، فقد كانت الفاجعة من وجود أسماء لبعض العلماء خلاف الزنداني، وجماعة جامعة الإيمان..
علماء أجلاء لا أدري كيف ارتضوا لأن يشتركوا في هذه المهزلة التي بدأها قبلاً جلالة الخطيب الحزمي من داخل قاعة البرلمان، وتوزيعه منشورات كنت قد أشرت إليها الأسبوع الفائت..ما لم أكن أعرفه هو اشتراك الكحلاني في مسألة رفض القانون، وجلجلت بضحكة كبيرة حين قال يحيى الراعي رئيس البرلمان بأن البرلمان سيقر القانون على الجميع ويستثني منه الحزمي والكحلاني!!، وكان حلاً رائعاً أعجبت به أيما إعجاب، وحتى اللحظة ما زلت أبحث عن سبب مقنع يجعل الحزمي، والعلماء أصحاب الفتوى يرفضون هذا القانون، هل لأنهم لا يزالون بحاجة للزواج من صغيرات السن؟؟، أم أنه خوف من المحاكمة والتغريم بأثر رجعي، وأعتقد بأن هذا لن يحدث مطلقاً..كون القانون يجُبُ ما قبله، ويتعامل مع اللحظة وما بعدها..فلا خوف أيها الأجلاء، فانتصروا لإنسانيتكم لمرة واحدة فقط..!
حين كتبت الزميلة رغدة جمال مادتها عن القانون متتبعةً أصداءه، في الأوساط المدنية، و الحقوقية، ونقلت كثيراً من الآراء التي أيدت مسألة صدور قانون يعمل على تقنين هذه الزيجات المنتهكة للطفولة..قبل المادة كنت قد تحدثت معها، عن ضحايا مثل هكذا زواج..وعدنا في النقاش إلى قضية زواج النبي من عائشة، فوجدنا أن في الأمر كثيراً من الغموض، وضحها عصام القيسي في الدراسة التي قدمها، عن باحث تونسي إن لم تخني الذاكرة..
كنت سعيداً كون الصفحتين تعرضتا للقضية عبر مادة جميلة، لذا كتبت عمودي عن ذات الموضوع كونه قضية الساعة، وكان يجب أن أكرس العدد كله لذات القضية، ولكن خوفاً من الرتابة اكتفيت بتلك المادة كون المسألة محسومة، ولم أتصور للحظة بأننا لم نتجه بعد صوب القانون..كل قوانين أغلب البلدان العربية حددت سن الزواج بــ”18”، سوى اليمن فقد جاء القانون ناقصاً سنة، ومع هذا قلنا أفضل من لا قانون، وكما يقال وجوده ولا عدمه!!.
السيئ أن يكون ثمة أناس بلا مشاعر يسعون لإيقاف ما يعري إنسانيتهم..والقانون بأية حال..جاء لينتصر للإنسانية، ولأسمى قيمة فيها وهي الطفولة، أشعر أنني أكرر ما قلته فيما فات، ولكنه الباطل، فلتعذروني عما أقترفه الآن في حقكم.أشعر أننا ندور في دائرة مفرغة، وكلما وجدنا بصيص أمل،يأتي من ثقبٍ ضيق، يسبقوننا دعاة التخلف ليقفوا بالمرصاد، لدرجة نشعر معها أننا محاصرون بالكثير من الحواجز الموضوعة عمداً لئلا نخطو باتجاه الغد..فما أصعب أن ينتابك للحظة شعور بأن الحياة نفسها جرم نقترفه ونمضي فيه..ذلك ما نشعر به حين نرى ما يحيكه علماؤنا الأجلاء..!
على مرأى ومسمع يومياً ثمة ضحية جديدة..وثمة زواج ليس بالمناسبة سعيداً، وهناك أطفال يساقون إلى أقفاص الموت مقيدين.يمارس الأطفال طقوس الزواج وسط تهليل الأهل، والأصدقاء، وفي دواخلهم يفعلون ذلك ببراءة مطلقة، وكأنهم يلعبون “العريس والعروسة” لعبة الأطفال المحببة، ليجدوا أنفسهم فجأة وسط غرفة واحدة، ومازالوا يلعبون طبعاً، ويستمر لعبهم إلى حين يستيقظون على الحقيقة.الذنب ليس ذنب الأطفال، ولا ذنب الأبِ والأم، إنه مأساة مجتمع يقترف الجريمة بمباركة رجال الدين، وبفتاوى معمدة بالدم، واللاإنسانية.يفعل العلماء ذلك، بلا أدنى شعور بحقيقة أنهم يبيحون الطفولة، وذلك ما لم يفعله الرسول”صلى الله عليه وسلم” ولم يأمر به الإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق