تعاطي القات لم يعد يقتصر على البالغين ، فإضافة إلى المراهقين، يداوم عدد متزايد من الأطفال على تعاطيه يومياً. هكذا يكون الطفل رجلاً!
عندما يورث الآباء أخطاءهم

رغدة جمال
الثلاثاء 15 فبراير- شباط 2011
ملحق انسان_ صحيفة الجمهورية


   
ما الذي يدفع الأطفال لتعاطي القات طالما ارتبط تعاطيه في ذهنهم بالكبار. أهو تقليد الآباء ؟ أم حب النضوج ؟ أم أن العادات والتقاليد هي أيضاً وراء تعاطي الأطفال للقات ؟ أم وعي الطفل والأسرة ؟أسئلة طرحها ملحق «الإنسان» على العديد من المعايشين لمثل هذه الحالات والمهتمين بمعالجتها.

ضعف الوعي
تقول فائزة الجلال “ المشكلة تكمن في أن نخبة من المتعلمين لا يتعاطون القات فقط، بل ويشجعون أطفالهم على تعاطيه، لأنها تعتبر تقاليد متعارف عليها في الأسرة أو القبيلة التي ينتمي إليها.
وحينما تناقشهم في الموضوع تجد من يبرر ذلك بأنها مجرد مناسبة تحدث مرة أو مرتين دون النظر إلى آثار هذه العادة على صحة هؤلاء الأطفال” وتؤمن الجلال بأن تلك التبريرات ماهي إلا نتيجة لضعف الوعي الديني وعدم تحمل المسئولية تجاه أطفالهم ، بالإضافة إلى ثقافة اللامبالاة المنتشرة في المجتمع اليمني.

وقاية
من جهتها، إيحاء دماج، ترى أن ذلك أمر لا يدعو للغرابة بقدر الأسى ، لأن مجتمعاً تنتشر فيه الأمية بنسبة كبيرة لن يمانع بالتأكيد أن يمضغ الأطفال فيه القات، حيث تلعب قلة الوعي في المجتمع دوراً كبيراً في تناول القات لدى الأطفال.

أساسيات الحياة
فالبعض يطمئن لوجود طفله معه في المقيل، ويضمن عدم انحرافه مع رفقاء السوء. والبعض الآخر يعتبر الموضوع شيئاً عادياً، فما فعله في طفولته قد يفعله أبناؤه من بعده، فنراه ينظر للقات كالأكل والشرب وغيره. وهناك من يشجع ابنه على مضغ القات ليضمن قيامه بوظائف أخرى تشمل عمالة الأطفال.
وتضيف دماج بأنه حتى من لا يعلم بتناول ابنه للقات، لا يتخذ موقفاً حازماً حين يعلم، لأن لسان حاله يقول “من جيز الشعب” وهذا كله يعود إلى قلة مستوى وعي رب الأسرة بدرجة أساسية بفداحة تناوله القات لدى الأطفال ، ومدى سوء هذه العادة لدى المجتمع.

تأكيد الجهل
وتعبر أمل المأخذي عن رأيها ببساطة، ودون تردد كبير، وتقرر: أن الأسرة التي تشجع أطفالها على تعاطي القات هي أسرة جاهلة وغير واعية. وما تعاطي أطفالها للقات إلا بمثابة تأكيد على ذلك.

رجاااال
وتحكي شهد احمد عن احد أفراد عائلتها عند سؤالها “ اعتاد أحد أفراد عائلتي بجميع أولاده كباراً وصغاراً للتخزين معه ومع أصدقائه يوميا، وللأسف أصغرهم لا يتجاوز الست سنوات”.
مضيفة: بأنه حين كان يأتي إليه أي كان ليسأله لماذا تسمح لصغارك بالتخزين؟ أو يجادله بأن المفروض أن يخرج الأطفال للعب مع أصدقائهم. يجيبه “ خليهم يوقعوا رجال ، بعدين القات أحسن لهم من المصياعة بالشوارع وعلى الأقل... هم قدام عيني ، أشوفهم وأنا مطمئن عليهم أحسن مما يخرجوا ما حد يدري أيش يسووا

خطأ دائماً .. صواب بعض الأحيان
بالرغم من عدائها وكرهها للقات، تعترف حنان علي بأنها اعتادت – في فترة ما – الطلب من والدها اصطحاب أخيها معه لمجالس القات، مبررة ذلك بأنه من المهم له الجلوس في وسط رجولي. إلا أنها تراجعت عن فكرها هذا قائلة “ لا أدري كيف أتتني الفكرة التي كانت محشوة في دماغي، إلى إن أعدت النظر فيها. لأنه إذا ما أردنا إنشاء جيل بدون قات، يجب أن نزرع في الأطفال فكرة أن تناول القات خطأً دائماً، ولا نضع مبررات ظرفية مثل حضور حفل عرس وغيره” وتختتم: وعموما من شب على شيء شاب عليه.. وللأسف ما زالت أجيال كثيرة تشيب على فكرة أن القات هيبة ورجولة.

تغير النظرة
قبل سنوات كان من العيب أن يمضغ الطفل القات، وكان يلام الأب الذي يسمح لطفله بتناول القات. بل يصبح مصدر سخرية للآخرين..يحكي الصحفي خالد الهلالي مستطرداً أنه من المؤسف أن المفاهيم انعكست في الوقت الحاضر فصار الطفل الذي يتعاطى  القات يتعلم الرجولة ومخالطة البالغين، وهذا ما يعكس المفهوم الضيق للرجولة في المجتمع.

تأثير سلوكي
يقول الهلالي “ يفترض أن لا يسمح للأطفال بتناول القات في مرحلة الطفولة لأنه يجعل من الطفل مدمن قات عندما يصبح رجلاً، ومن الصعب عليه التغلب على إدمانه النفسي للقات. هذا بالإضافة إلى أن حضور الأطفال لمجالس القات يؤثر في سلوكهم حيث أنهم يستمعون إلى الأحاديث التي تدور بين البالغين والتي منها ما يندرج تحت مفهوم الخرافات والتعصب والإباحية وهو مالا يصح ان يصل إلى مسامع الأطفال.

تبرير غريب
تستنكر وردة المذحجي هذه الظاهرة قائلة: الغريب في هذه الظاهرة هو تبرير الأهل لمضغ أطفالهم القات، فنجد الأب منهم يبرر ذلك التصرف بان مضغ الطفل للقات أفضل من خروجه للشارع أو صداقته لرفقاء السوء، وهو مفهوم غريب لتبرير هذه الكارثة المجتمعية.
وتوافقها إيحاء دماج التي ترى أن نسبة الأمية الكبيرة في اليمن تلعب دوراً كبيراً في هذا التبرير قائلة: للأسف الأب والأم غير مدركين مدى خطورة هذا التصرف، لذا نسمع دائماً من يقول أهم شيء انه جنبي مخزن بس لا يمتسخش.

توريث للفشل
للأسف بدل أن يشجع الأهالي أبناءهم على شيء مفيد نجدهم يبدأون بتعويدهم على مضغ القات في المناسبات ومن ثم نجد الأطفال قد اعتادوا على هذه العادة كل يوم، كما يقول سام علي، في حين يرى كمال صالح أن مضغ الأطفال للقات ماهو إلا توريث للفشل والكسل من جيل إلى آخر.

مصيبة
يعتبر عرفات السلاط أن مضغ الأطفال للقات أكبر مصيبة لأن الحل الوحيد للخلاص من القات حالياً هو توعية الأجيال القادمة بالإقلاع عنه ومنعهم من مضغه باعتبار أن الجيل الحالي قد أدمن القات ولا يستطيع الإقلاع عنه.
ويتمنى السلاط أن تقوم منظمات المجتمع المدني بنشر شعار “إذا لم تستطع أنت الإقلاع عنه فامنع أولادك من تناوله”.

تقليد
ويوافق أنور توفيق السلاط إلا أنه يضيف بأن من الصعب أن يقتنع الطفل بعدم التخزين مادام يرى أباه أو أمه يخزنان “إذا أردنا من الأطفال أن لا يفكروا في التخزين فيلزمهم قدوة يتبعوه فمثلاً ماذا نتوقع أن يخطر في بال أطفالنا إذا شاهدونا نحن.
مروان الحكمي يوافق توفيق فيرى انه من الصعب أن  نمنع الطفل تقليد والديه حتى لو استطاع الوالدان منعه وهو صغير، فبمجرد أن يكبر سنراه يقلد الصورة التي لطالما رأى فيها والده أو والدته  .

التفكير بالمستقبل
في حين يرى بشير المصباحي بأن خطر القات لا يقل خطراً عن المخدرات والإدمان عليها من قبل الأطفال سيعزز من حالة الجهل لديهم وعدم قدرتهم على تحمل المسئولية مستقبلاً تجاه أسرهم وأنفسهم أولاً وتجاه وطنهم وأمتهم ثانياً.

نماذج واعدة
جلسة القات (التخزين) ليست عادة الكبار فقط، لقد زرعها الكبار في الصغار ومضوا فالطفلان يقفان أمام الكاميرا، دون خجل، وربما هذه هي الحداثة التي تختلف عما يمكن وصف الأجيال السابقة بها .. لقد كان الجيل الماضي يخشى ان تلمحه الأعين في حال مضغه للقات .. لكن الوقت مضى، وبات من الحرج أن يراك الطفل في خلوة قات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق